مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم
منظر عام للمسجد النبوي
ثاني المساجد التي تشد إليها الرحال في الإسلام بعد المسجد الحرام . ويقع المسجد النبوي الشريف شرق المدينة المنورة . وكان له دور بارز في تاريخ الإسلام ومكانة عظيمة في نفس كل مسلم؛فهو المسجد الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على التقوى من أول يوم؛ليكون منارة تنير طريق البشرية جميعها ومدرسة تربى فيها وتخرج منها أعظم الرجال في تاريخ الإنسانية كلها ومركزا عظيما لانطلاق الدعوة وانتشار الإسلام. وقد مجده الله تعالى في كتابه العزيز في سورة التوبة: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين). والصلاة في المسجد النبوي لها ثواب كبير. قال صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" [البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". [البخاري]
نبذة تاريخية
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة مهاجرا ووصل إلى المدينة المنورة بعد رحلة طويلة وشاقة وخرج أهل المدينة لاستقباله فنزل النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر ووضع أساس مسجد قباء ثم خرج من هناك والناس يتزاحمون عليه. كل واحد منهم يريد أن يأخذ بزمام ناقته ويستضيفه عنده فكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم في رفق: "خلوا سبيلها فإنها مأمورة". وسارت الناقة في طرقات المدينة وأهل كل حي يتمنون أن ينالوا شرف نزول النبي صلى الله عليه وسلم عندهم.
وأخيرا توقفت الناقة في مكان لتجفيف التمر يملكه غلامان يتيمان من الأنصار فنزل صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "هاهنا المنزل إن شاء الله". وكان ذلك المكان قريبا من بيت "أبي أيوب" فحمل متاع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته ثم عرض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتري ذلك الموضع فقيل له: بل نقدمه لك دون ثمن يا رسول الله فرفض صلى الله عليه وسلم أن يأخذه دون أن يدفع ثمنه فاشتراه بعشرة دنانير وأقام عليه مسجده.
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في بناء مسجده الشريف في المدينة؛ ليكون مركزا لإقامة الشعائر الدينية وإدارة شئون الناس وحاجاتهم. وعمل صلى الله عليه وسلم بنفسه في بناء ا لمسجد؛ فكان يحفر الأرض ويحمل الحجارة ويشارك صحابته.
ولما تم بناء المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت مساحته حوالي (1600) متر مربع، وكانت أرضه من الرمال، وسقفه من الجريد، وأعمدته من جذوع النخل، وحوائطه من الحجارة والطوب اللبن، وكانت قبلته ناحية بيت المقدس حيث ظل المسلمون يتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس قرابة (16) شهرا إلى أن تحولت القبلة إلى الكعبة بأمر من الله تعالى قبل غزوة بدر بشهرين تقريبا.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لمسجده ثلاثة أبواب وأعد في مؤخرته مكانا مظللا (صفة) لنزول الغرباء وعابري السبيل والفقراء ومن لا مأوى لهم ولا أهل ممن عرفوا بعد ذلك بأهل الصفة.
وفي عهد أبي بكر الصديق قام رضي الله عنه ببعض الإصلاحات والترميمات للمسجد النبوي الشريف فوضع أعمدة خشبية جديدة مكان الأعمدة التي أصابها التآكل ولم يزد في المسجد شيئا؛ وذلك بسبب انشغاله بحروب الردة بالإضافة إلى قصر مدة خلافته.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتسع المسجد حتى بلغت مساحته قريبا من (6400) متر مربع. وقد أوصى الفاروق الصانع بقوله: "أكن (احفظ) الناس من المطر. وإياك أن تحمر أو تصفر (تدهن بالون الأحمر أو الأصفر) فتفتن الناس". وقد أزالت التوسعة العمرية المباني والبيوت المحيطة بالمسجد من جهات الغرب والشمال والجنوب. أما جهة الشرق فقد ظلت كما هي من غير زيادة؛ حيث كانت توجد حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم زادت مساحة المسجد في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فبلغت (8000) متر مربع، وبنيت جدرانه بالحجارة المنقوشة، وزود سقفه بالساج وأضيفت إليه أبواب جديدة.
أما في العهد الأموي فقد حظي المسجد باهتمام الخليفة الوليد بن عبد الملك، حيث تم توسيع المسجد النبوي وإعادة بنائه؛ فبنيت أعمدته من الحجارة المحشوة بالحديد و الرصاص ، واستخدمت الحجارة المنقوشة والجص والفسيفساء والطلاء في أعمال البناء، واستعمل الساج في تغطية السقف وأدخلت حجرات نساء النبي صلى الله عليه ضمن المسجد لأول مرة. ولم يدخر الوليد بن عبد الملك جهدا في سبيل تحسين المسجد وإظهاره بالمظهر اللائق بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين أجمعين حتى إنه كان يكافئ العامل الماهر الذي يعمل في المسجد بثلاثين درهما زيادة على أجره المقرر.
أما في العهد العباسي فقد اهتم خلفاء العصر العباسي برعاية المسجد النبوي الشريف وعمارته؛ فتم تجديده وزيادة مساحته وكتابة الفاتحة وبعض آيات القرآن على جدرانه، ثم توالت الترميمات والإصلاحات. وفي ليلة الجمعة أول شهر رمضان 654هـ /1256 م. شب حريق كبير في المسجد بسبب غفلة خادمه فبادر الخليفة العباسي المعتصم بالله بإعادة تعميره وترميمه وتحسينه.
وفي عهد السلطان العثماني عبد المجيد اهتم بالمسجد فكانت أجمل عمارات المسجد وأكثرها إتقانا. فعندما كتب إليه شيخ الحرم داود باشا يخبره بالتصدع الذي ظهر في بعض أجزائه، اهتم السلطان بالأمر وأرسل مهندسين وعمالا لعمارة المسجد وإعادة بنائه، واستغرق العمل (13) عاما خرج المسجد بعدها آية في الجمال والإبداع وكان يتكون من (12) بائكة (صف من الأعمدة). وكل بائكة تضم (27) عمودا تعلوها قباب مزخرفة مرسوم على بعضها مناظر طبيعية تمثل المدن التركية؛ كإستانبول وأنقرة وقد بنيت الأعمدة المحيطة بالقبلة من حجر الصوان المغطى بطبقة من المرمر، وقد زينت تيجانها بماء الذهب وكسيت قواعدها بالنحاس الأصفر. وتصل بين تيجان الأعمدة ألواح خشبية مغطاة بصفائح من النحاس الأصفر، وتتدلى منها سلاسل ذهبية وفضية تحمل الثريات (النجف) والمشكاوات (ما يحمل عليه أو يوضع فيه المصباح أو القنديل).
وفي العصر الحالي في عهد الدولة السعودية شهد المسجد النبوي طفرة واسعة في توسيعه وتجميله وتحسينه بداية من عهد الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية، ومرورا بعهود الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، وانتهاء بعهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود؛ حيث تمت في هذا العهد أربع توسعات كبيرة.
ولقد شملت التوسعة الأولى ترميم ما تصدع من المسجد وتجميله وإصلاح الحجرة النبوية المطهرة وقبتها الخضراء ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والأعمدة الأثرية والمئذنة الرئيسية، مع الإبقاء على العمارة المجيدية (نسبة إلى السلطان عبد المجيد) التي حدثت في عهد السلطان عبد المجيد العثماني. ولقد أحدث الملك عبد العزيز زيادة في عدد أبوابه فأضاف إليه خمسة أبواب جديدة هي: باب الملك، وباب عمر بن الخطاب، وباب عثمان بن عفان، وباب عبد العزيز، والباب المجيدي. فأصبحت بمجموعها عشرة أبواب بالإضافة إلى الخمسة الأولى: باب السلام، وباب الرحمة، وباب جبريل، وباب النساء، وباب الصديق. ثم كانت التوسعة الثانية في ظل حكم الملك فيصل بن عبد العزيز؛وشملت إضافة مساحة جديدة إلى المسجد وتظليلها وتجهيزها لإقامة مصلى كبير. ثم التوسعة الثالثة فتمت في عهد الملك خالد بن عبد العزيز؛حيث أضيفت مساحة جديدة على شكل ميدان فسيح مظلل إلى أرض المسجد. ثم كانت التوسعة الرابعة وهي توسعة الملك فهد بن عبد العزيز أكبر وأضخم توسعة للمسجد النبوي الشريف حتى الآن؛حيث تضاعفت مساحة المسجد عشرات المرات، وتسخير كافة الإمكانات من أجل توفير الراحة لأعداد المصلين والزائرين الكثيرة والمتتابعة. فتم تجهيز السطح وبناء سبعة مداخل رئيسية جديدة، إضافة إلى مدخلين من الناحية الجنوبية. ولهذه المداخل بوابات يصل عددها إلى (59) بوابة ويضاف إلى ذلك (
بوابات لمداخل ومخارج السلالم الكهربية المتحركة التي تخدم سطح المسجد المخصص للصلاة، جنبا إلى جنب مع (18) سلما داخليا، فضلا عن سلالم الخدمة. وقد استخدمت التقنية الحديثة في أعمال الكهرباء، وتكييف الهواء، وتوزيع المياه والصرف الصحي، وإعداد الساحات الخارجية، وتغطية الأرض بالرخام وقد بلغت الطاقة الاستيعابية للمسجد وما يحيط به من ساحات (650 ألف) مصل في الأيام العادية تزداد في أيام الحج والعمرة لتصل إلى حوالي مليون مصل.
ويتميز المسجد حاليا بأعمال الحليات والزخارف كالكرانيش التي تجمل الحوائط والأسقف والمآذن وأعمال الحديد المشغول والمشربيات والشبابيك وتيجان الأعمدة وأعمال التكسية بالرخام والحجر الصناعي للمداخل والواجهات الخارجية والأعمدة الداخلية. ولتلطيف الهواء داخل الحرم النبوي الشريف ثم استحداث نظام جديد؛ وذلك بتبريد الهواء من خلال مواسير المياه الباردة.
وتحيط بالمسجد ساحات وطرق ومواقف للسيارات ومرافق تجارية وحكومية وتسهيلات عديدة لخدمة زوار المسجد النبوي الشريف مثل: أماكن الوضوء، ودورات المياه، والساحات المغطاة بالرخام المصنع وفق أشكال هندسية إسلامية وبألوان مختلفة.
الحجرة النبوية
الروضة الشريفة
توجد الحجرة النبوية في الجزء الجنوبي الشرقي من المسجد وهي محاطة بمقصورة (حجرة خاصة مفصولة عن الغرف المجاورة فوق الطبقة الأرضية) من النحاس الأصفر. ويبلغ طول المقصورة (16) مترا وعرضها (15) مترا ويوجد بداخلها بناء ذو خمسة أضلاع يبلغ ارتفاعه نحو (6) أمتار بناه نور الدين زنكي ونزل بأساسه إلى منابع المياه ثم سكب عليه الرصاص حتى لا يستطيع أحد حفره أو خرقه وداخل البناء قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبرا أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وفي شمال المقصورة النبوية وجد مقصورة أخرى نحاسية ويصل بين المقصورتين بابان. ويحيط بالحجرة النبوية أربعة أعمدة أقيمت عليها القبة الخضراء التي تميز المسجد أما الروضة الشريفة فهي بين المنبر وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبلغ طولها (22) مترا، وعرضها (15) مترا.
المنبر
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو فطلب الصحابة إليه أن يجعلوا له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنوه له دكة من طين كان يجلس عليه. فالمنبر في أوله كان دكة من طين يجلس عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ليعرفه الغريب ويخطب عليها يوم الجمعة. ومن المحتمل أن المنبر المتخذ من الطين كان إلى جانب الجذع وقد كان بناء المنبر من خشب الغابة القريبة من المدينة في السنة الثامنة أو التاسعة من الهجرة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب قام فأطال القيام فكان يشق عليه قيامه فأتى بجذع نخلة فحفر له وأقيم إلى جنبه قائما للنبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا خطب فطال القيام عليه استند فاتكأ عليه فبصر به رجل كان حديث عهد بالمدينة فقال لمن يليه من الناس: لو أعلم أن محمدا يحمدني في شيء يرفق به لصنعت له مجلسا يقوم عليه فإن شاء جلس ما شاء وإن شاء قام فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائتوني به فأمره أن يصنع له هذه المراقي الثلاث فوجد النبي في ذلك راحة فلما فارق النبي صلى الله عليه وسلم الجذع وعمد إلى هذه التي صنعت له حزن الجذع فحن كما -تحن الناقة- حين فارقه النبي صلى الله عليه وسلم فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وربت على الجذع فسكن.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على الدرجة الثالثة من المنبر فلما خطب أبو بكر نزل درجة ثم عمر درجة وكان عثمان يقوم على الدرجة السفلى ويضع رجليه على الأرض ست سنين من خلافته ث م لما ازداد رواد المسجد صعد عثمان إلى موضع وقوف النبي صلى الله عليه وسلم حتى يراه الناس وهو يخطب. وزاد مروان بن الحكم في المنبر ست درج من أسفله وبذلك